الخميس، 9 مارس 2017

مانشستر على البحر».. وعلى الحزن وفلسفة الندم أيضًا!





      يعود المخرج كنث لونرغان (54 سنة) إلى السينما العالمية بشكل مدوي في فيلمه الثالث فقط، وهو يعد معدلًا شحيحًا بالقياس إلى سنّه. كان الأول قد صدر في عام 2000 بعنوان «يمكنك الاعتماد علي» – وهو فيلم جميل وأنصح بمشاهدته –، ثم أتى بعده فيلم عادي «مارغريت» ومن ثم هذا الفيلم الذي لن أصفه بأقل من أعجوبة.

          لدينا «لي تشاندلر» (كايسي آفلك)، عامل نظافة إنطوائي ولديه مشاكله الخاصة في التواصل مع الناس، والتي تتضح من عدة مشاهد في البداية. يتلقى اتصالًا من قرية “مانشستر” – التي نشأ فيها وكانت له حياة حافلة فيها إلى أن انتقل – يخبره بأن أخاه «جو تشاندلر» (كايل تشاندلر) قد أصيب بنوبة قلبية أخرى، وما إن يصل حتى يبلغ بوفاته. يقوم بترتيب الجنازة ويخبره محامي أخيه المتوفى أنه الوصيّ على ابن أخيه «باترك» (لوكاس هيدجز) مما يضعه في صراع معه لأجل الانتقال بجانب تضامن الأغلبية مع «باترك» وبقائه في مانشستر، فهم يريدون التمسك بأماكنهم ولديهم بالفعل ما يسوغهم لذلك، بينما يريد «لي» العودة إلى بوسطن ولكن دون سبب حقيقي أو مسوغ، إلى أن يظهر السبب فيما بعد في عدة مواجهات مع بقية الشخصيات تنبؤنا أن الناس ليسوا سواء فيما يتعلق بتقبلهم للمصائب، وأن الندم قد يشلّ بعضهم عند مواجهة الحياة السابقة / الماضي فيما بعد.

          هناك خفة لا تصدق في هذا الفيلم، فحين يغتاظ المشاهد من برود الشخصية الرئيسية[1] في المشهد الحالي تظهر مشاهد من حياته الماضية بشكل مفاجئ – ودون تهويل تقني – ترينا شخصًا يقف على النقيض تمامًا بمرحه ومحبته للحياة، والتي تقوده شخصيته إلى ما هو عليه الآن في سلسلة أحداث مأساوية. كذلك ينتهي كل انفعال في مشاهد الفيلم بوصف الناس له بأنه “أخ جو” أو “لي”، إذ أن ماضيه لا يدعه حتى بعد تلك السنوات، وقد ساهم تنافر طباع «لي» مع طبع البقية في جعل القصة أكثر مصداقية. تكمن خفة الفيلم في الأدوار الطبيعية والمشاهد التي يمكن أن تراها في حياتك. عم يساعد ابن أخيه بعد فتور العلاقة بينهما، زواج ينهار، التعنيف الأسري الذي يتصدى له شخص عابر – وبالمناسبة فقد كان المخرج –، كل هذه تأتي كتوليفة عبقرية من لونرغان بحيلة ذكية  تكمن في إبطاء دفن الجثة لاعتبارات مناخية. حتى مواجهته عن طريق الصدفة مع زوجته بعد طلاقهما وما حدث بينهما لم تأخذ أكثر من دقيقتين – على عكس المتوقع –، وكان أغلب ما قيل بينهما عبر الإيماءات ولغة مهزوزة، لكنها قالت الكثير مما كان سيضعف الفيلم لو عُبّر عنه بالكلمات. ولعل الخليط يأتي من كون الجميع قد غفروا له ما حدث إلا هو، لم يستطع أن يغفر لنفسه.

          المذهل في الفيلم بجانب خفته على الصعيد التقني هو خلوه من الأداء الدرامي أو محاولة تفسير الحياة بجمل رنانة. لا شيء سوى الحياة كما تحدث وكما نراها بأكثر من عين حسب موقفنا منها. نهاية الفيلم كانت عالية فنيًا رغم رتابة أحداثها، لتأتي بفيلم قريب للقلب ونال العديد من الجوائز حتى الآن.

          ختامًا، لعل من الطريف الإشارة إلى أن مات ديمون قد شارك في إنتاج هذا الفيلم أيضًا، ولكن يبدو أنه لم يقبل الدور الرئيسي بما أنه لم يخطف أو يضيع.

 [1]  أميل لهذه التسمية عوضًا عن “بطل الفيلم”، لأن حمولة كلمة “بطل” في اللغة العربية قد لا تتسق مع شخصيات كثيرة رئيسية في الأفلام، مثل روبرت فورد في فيلم «اغتيال جيسي جيمس» (الولايات المتحدة، 2007).

بقلم: راضي النماصي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))