الأربعاء، 27 مايو 2015

صناعة التفاهة




عندما سُئل عضو في اللجنة المنظمة لأحد المهرجانات الثقافية عن سبب استضافتهم مجموعة من المشاهير الجدد ممن أفرزتهم مواقع التواصل الاجتماعي، ردّ بصراحة تامة «لأنهم مشاهير، ولديهم ملايين المتابعين».

جميل جداً أن يكون هذا العضو صريحاً في إجابته، وجميل أيضاً أن نكون صادقين في نقدنا، فالصراحة والصدق أكثر ما نحتاجه في الوقت الراهن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثقافة وذائقة وأخلاقيات هذا الجيل.
أول ما يلفت الانتباه في إجابة العضو الكريم هو نظرته الكمية للأشياء، وهي نظرة براغماتية في المقام الأول تركز على العائد المادي والإعلامي قبل أي شيء آخر، ولكن أين المسؤولية الأخلاقية من هذا كله؟
لو أخذنا جولة مطولة على حسابات المشاهير الجدد في مواقع التواصل الاجتماعي، لوجدنا أنها تشترك في سمة واحدة هي اعتمادها بشكل رئيسي على صناعة التفاهة، أو ما يمكن أن نطلق عليه باللهجة العامية (الاستهبال).
اقفز، ارقص، اصرخ، أصدر أصواتاً غريبة، تكلم بكلام لا معنى له، خالف قيم المجتمع، استفز مشاعر الآخرين، استهزئ بالمطربة الفلانية، اشتم اللاعب الفلاني، وتأكد أنك ستشتهر، وستجد من يصفق لك، ويضحك عليك، وينشر غسيلك القذر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن يتجاوز عدد متابعيك المليون ستنهال عليك عروض الاستضافة في وسائل الإعلام والمهرجانات والمنتديات!
وماذا بعد هذا العبث؟ أخلاق تنحدر، ذائقة تتشوه، ثقافة تتسطح، قيم تتلاشى، مواهب حقيقية تفقد فُرصها في الظهور، جيل بأكمله يضيع. ومن المسؤول عن هذا كله؟ كلنا مسؤولون، من أفراد ومؤسسات، فلولا تناقل الناس لمقاطعهم لما اشتهروا، ولولا تلميع الإعلام لهم لما ازدادوا شهرة.
في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي انتشرت في الآونة الأخيرة لوحات تحذيرية مكتوب فيها Stop Making Stupid People Famous ، وهي عبارة صادقة، رغم نبرة الانفعال الواضحة فيها، وتستحق أن توضع كميثاق شرف أخلاقي يساهم كل أفراد المجتمع في تكريسه. فالدفع بالتافهين إلى واجهة العمل التوعوي والاجتماعي والإعلامي هو جريمة بحق الأجيال الناشئة وانعكاساتها السلبية لن يسلم منها أحد.
كل ما نحتاج إليه الآن هو الانتقاء، انتقاء من نتابع وانتقاء من نُبرز، هناك مواهب حقيقية وسط هذا الغث الكثير، ولكنها تعاني تجاهل الجميع لها. هنا يبرز دور القنوات التلفزيونية ـ الرسمية خصوصاًـ والصحف والمهرجانات الثقافية والمنتديات الإعلامية، اتركوا عنكم النظرة الكمية للأشياء وركزوا على المضمون، أبرزوا المواهب الحقيقية حتى إن كانت محدودة الشهرة ساهموا أنتم في إبرازها؛ أسهموا في الارتقاء بالذوق العام، هذه مسؤوليتكم، هذا دوركم، هذا واجبكم تجاه وطنكم ومجتمعكم، والله الموفق.
بقلم: عبدالله النعيمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))