في كوخ صغير بإحدى القرى الريفية في فوردهام عام 1847, جلس بو على مكتبه وقطته التورتيو تستند على كتفه، غارقًا
في كآبته بعد أن فقد زوجته فيرجينيا العزيزة على قلبه في ذلك العام تاركة أفكار الموت
والحياة تغمر رأسه, بدأ بو يحلم عن بداية الكون ومصيره.
بعد أن انتهى بو من تأليف ‹يوريكا: قصيدة نثرية› اعتقد أنها
ستكون أفضل أعماله وسيذاع صيتها بين جميع الأعمار.
ذلك لم يحدث!
في الحقيقة لقد قُوبِل عمله بالتجاهل بل نبذه أتباعه والمثقفون
على أنها مجرد هرطقات. والذي لم يدركه أحد في ذلك الوقت أن كتابه يحتوي على وصف لنظرية
الانفجار العظيم قبل أن يتطرق لها فيزيائي فلكي بـ70 عامًا.
بدأ بالتساؤل عن الجاذبية والتي قام بتعريفها على أنها “تلك
التي تربط كل ذرة بالأخرى” وفكر مليًا عن مصدر تلك الجاذبية، ثم توصل إلى استنتاج مدهش
وهو “التوحد”! أن الكون قد بدأ من نقطة واحدة أو على هذه الحالة من التوحد. تلك النقطة
أو ذلك “الجسيم البدائي” قد انفجر منفردًا ناشرًا في الكون ذراته والتي سيعاد اتحادها
فيما بعد.
فلسفة بو عن الكون وبدايته تعطينا تصويرًا يشبه ذلك الذي توصل
إليه العلماء بعدها:
“دعونا الآن نفهم كيف يجب
أن تكون المادة في بدايتها شديدة البساطة. السبب هو وجود جُسيم واحد – من طبيعة واحدة
– من حجم واحد, جُسيم بالطبع ذو طبيعة خاصة, قابل للانقسام وذلك لأن الذي خلقه لسبب
ما جعله ينقسم. ذلك الانقسام نتج عنه ذرات بالغة الصغر.
الرغبة في العودة مرة أخرى
لذلك “التوحد” أو “الجسيم الأولي” سوف تُكمل الحدث أو بصيغة أخرى ستُكمل عملية الخلق”.
أشار بو أن يوريكا ليست بحثًا علميًا وأنه لم يقم بإثبات نظرياته
تلك ولم يتطرق إليها من الناحية العلمية, على الرغم من أنها نوهت عن بعض نظريات لعلماء
مثل نيوتن, بيير لابلاس وهيرشل. وقد أطلق عليها “لأولئك الذين يُعملون قلوبهم فضلًا
عن أولئك الذين يفكرون – إلى الحالمين الذين يؤمنون بأحلامهم كحقيقة مثبتة”.
وعندما نُشرت أول أوراق علمية تشير إلى تمدد الكون عام 1920على
يد ألكسندر فريدمان وجورج لومتر لم يذكر أحد بو!
لم يهتم أحد من العلماء إلى يوريكا سوى الفلكي الإيطالي ألبرتو
كابي: “من المدهش أن يتوصل بو إلى استنتاجات كهذه عن الكون على الرغم من عدم وجود نظريات
أو ملاحظات تشير إلى ذلك في عصره!”, “ليس هنالك فلكي في عصر بو استطاع أن يتخيل كونًا
غير ثابت!”. بينما باقي العلماء ممن قرؤوا يوريكا أشاروا إلى بعض الأخطاء في أجزاء
أخرى كتبها من الناحية العلمية، أما بالنسبة لتصوره عن امتداد الكون فقد أقروا أنها
محض ضربة حظ.
بو, الذي تركته زوجته وسط أفكار الموت, اقترح في كتابه أن الذرات
التي انفجرت وانبعثت سوف ترغب في الاندماج مرة أخرى كطبيعتها الأولى ــ العديد من العلماء
هذه الأيام يقترحون نهايات مختلفة؛ مصير تمدد الكون إلى ما لا نهاية – ربما رأى أن
الاستنتاج الأول هو النهاية المنطقية لإعادة توحده مرة أخرى مع زوجته الراحلة.
المصدر: ساسة
بوست
بقلم: منة أنيس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))