كتبت المحررة والكاتبة
لورين سولكن، المتخصصة في تدريس الكتابة الإبداعية والتحرير، عن ما يعنيه التفكير ككاتب،
وفقاً لشبكة “هافينغتون بوست” الامريكي، وفيما يلي نص الكاتبة:
أي نوع من المفكرين
أنت؟ مفكر “داخل الحدود”؟ مفكر يخشى أن تتجاوز أفكاره الأسوار؟ تخيَّل الحياة وكيف
يمكن أن تكون إذا لم تكن لأفكارك حدود، إذا كان بوسعك تحويل لحظة ملل لا تطاق إلى
ركض مغامر داخل رأسك، أريد أن أقول: فكِّر ككاتب.
فيما أسوق في طريقي إلى العمل، لا
أفكر كيف أطوي فوطة المائدة مثلما تطويها مارثا ستيوارت، أو كيف أزيل التكلسات
الشمعية القبيحة من على أرضية مطبخي، بل أفكر في الغطاء البلاستيكي الذي أراه في
نصف النقل أمامي، وكيف من الممكن أن تكون من تحته جثة.
هل ألتقط صورة
لرقم السيارة وأرسله ألى “قائمة المطلوبين للشرطة الأمريكية”؟ ثم أتذكر
الثمانينيات حينما ظننت خطأ أنني رأيت “ابن سام” في قطار الأنفاق الشمالي، والحيرة
التي ارتسمت على وجه الضابط وهو يدوِّن المحضر.
التفكير “داخل
الحدود”
أيامها كانت
أفكاري تجمح بي، ولكنني كنت في شبابي، فكان لي عذر إن أخطأت وظننت أن بائعاً
متجولاً هو القاتل الخطير المعروف بـ “ابن سام”، لكن الآن أصبحت سيطرتي على أفكاري
أفضل، وصار بوسعي أن آمرها فلا تغامر بولوج العتمة الكامنة تحت الغطاء البلاستيكي،
وأقول بصوت مرتفع “مكانك”، وأنا أعرف أن من يراني لن يظن بي الجنون بسبب دفاعات
البلوتوث.
أوجِّه أفكاري
لتتحرك صوب شيء أقل خطراً، كقسم الأطعمة المجمدة في المحل حيث وقفت العجوز لتتكلم
معي، غير أن أفكاري تنحرف مني إلى قسم آخر في المحل، وأفكر كيف أن الناس الذين
يقطعون عليّ الطريق بسياراتهم في موقف السيارات هم نفس الناس الذين يقطعون عليّ
الطريق بعربات التسوق في المحل.
ويسأل الواحد
منكم نفسه: “كيف لا يفكر عقلي مثلما يفكر عقلك؟”، و”لماذا ليس مخي مجهزاً بنمط
تفكير الكاتب؟”.
حسن، أنت مخطئ
في ما تظن يا صديقي المفكر “داخل الحدود”، فمخك أنت أيضاً مجهز بنمط تفكير الكاتب،
وتذكر ما قالته غيلدا لدوروثي في نهاية فيلم “ساحرة أوز”، قالت لها: “لقد كانت
لديك القدرة طول الوقت على الرجوع إلى البيت”.
وأنت أيضاً،
لديك طول الوقت القدرة على أن تفكر تفكير الكاتب، فقط أطفئ زر الرتابة العملية في
مخك، ذلك الزر المطمئن إلى الأرقام والقوائم والوظائف المتكررة التي تتسبب في
الشلل المخي، وأطلق العنان لأفكارك لتوسِّع خيالك، وفيما تسوق إلى العمل، فكِّر في
الموظفة السمراء في الصيدلية ذات الأنف المعقوف والنظارات السميكة: أهي إنسان أم
جان؟
ماذا لو
ابدأ لعبة “ماذا لو” التي يحب الكتاب أن يلعبوها،
ماذا لو أن موظفة الصيدلية أصيبت قبل أن تصرف لك أدويتك بشعاع جاما حولها من إنسان
إلى عفريت؟ ماذا لو أن الفضائيين استولوا على جسد زوجك وهو يأخذ حمامه وأن الذي
يدخل قميصه الآن في البنطلون ليس زوجك بل هو نسخة منه؟
نعم، من قال
إنك لا تستطيع أن تكون في مثل جنوني؟
ولكن عليك
أولاً أن تفعِّل قوى نمط الكاتب التفكيري في عقلك، فمن بين المفكرين “داخل الحدود” من اشتهروا بالإفراط في
استخدام قوى نمط الكاتب التفكيري قبل أن يألفوها، ثم انتهى بهم الحال في نهاية
المطاف جالسين في غرفة مبطنة بالفلين، ولا تسيطر على عقولهم إلا مشكلة لغوية
أخطأوا في فهمها في امتحان الرياضيات في الصف السادس:
"في أي وقت يصل القطار إلى لوس أنجيليس
عندما يغادر نيويورك في الثالثة صباحاً، ويتوقف في شيكاغو لساعة، حيث تقضي 30 دقيقة في مطعم بيتزا ينصب عليه وابل
من الجبن الإضافي
…".
طوفان! فيضان!
أرقام … حسابية إلى أقصى حد، تتنكر في شكل كلمات، لكنها تعجز عن إخفاء أرقامها
الداخلية المتينة الضئيلة.
ذلك ما يجعلني
في الأيام التي لا يضاف فيها شيء إليّ، أتوقف عن إرغام الأيام على ما لا تملك أن
تفعله، وأنطلق في لعبة “ماذا لو”، منفلتة عبرها من تعقيدات الحياة وضجرها.
ترجمة: أحمد شافعي
المصدر: موقع مترجم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))