الأربعاء، 4 مارس 2015

موراكامي في عوالمه الغريبة



 
تأملوا هذا اللغز الافتراضي: لو حصل هاروكي موراكمي (بعد طول انتظار) على جائزة نوبل في الأدب، ما الذي يمكن أن يقوله الكاتب بنفسه على شاشة التليفزيون الياباني؟
الأرجح أنه لن يقول أي شيء. وإذا كنتم لم تلاحظوا، فإنني أقول لكم إن موراكامي لا يظهر في حوارات على شاشات التليفزيون في اليابان. فإن حصل على نوبل، أو عندما يحصل عليها، لن يقول شيئا. مع ملاحظة أن موراكامي أبعد الناس عن الخجل من الإعلام، لكنه لن يقول شيئا على شاشة التليفزيون، لأنه ليس مغرما بتصويره. ولذلك ستكون ثمة فجوة كبيرة حيثما ينبغي أن يكون موراكامي على شاشات إن إتش كيه وغيرها من الشبكات، فسيكون لزاما عليها جميعا اللجوء إلى الخبراء لملء الفراغ.
ماثيو كارل سترتشر، أستاذ الأدب والثقافة واللغة اليابانية بجامعة ولاية مينيسوتا، يرى أن موراكامي سوف يتلقى عاجلا أم آجلا الاتصال الهاتفي المنتظر. وكتابه الصادر حديثا بعنوان "عوالم هاروكي موراكامي المحظورة" هو ثالث كتبه عن موراكامي، ويعرض فيه بسرعة لمسألة نوبل، مثلما يعرض لعلاقة الكاتب المضطربة بالبوندان (أي الوسط الثقافي الياباني). ولكن ذلك يأتي في الهامش لا أكثر. فالتركيز، مثلما يتبين من عنوان الكتاب، ينصب على "العوالم" التي يبعث موراكامي شخصياته إليها، والتي يذهب إليها هو نفسه، لنحت رواياته واسعة الانتشار
.
في تمهيد "عوالم محظورة" يوجز سترتشز "دوافعه إلى التركيز كثيرا على كاتب ياباني واحد" إيجازا دقيقا إذ يقول "إن "موراكامي كاتبي" وكان قد تعرف عليه من خلال مترجم موراكامي القديم الكاتب جاي روبن خلال محاضرة دراسية.
"’عليكم يا شباب أن تقرأوا هذه القصة القصيرة، ستجدونها مختلفة عن أي شيء قرأتموه’ فقرأت وافتتنت تماما"، هكذا يتذكر سترتشر في حوار له مع جابان تايمز.
تلك كانت "قصة العمة الفقيرة" لموراكامي التي نشرتها نيويوركر بالإنجليزية للمرة الأولى سنة 1980.
يفسر سترتشز إحساسه بقوله إن "الخيال في القصة أصابني بالخبل" ثم إنه يمضي فيسرد أحداث القصة وتأثيرها عليه كما لو كان قرأها قبل إجرائه الحوار بلحظات. وسترتشر مرجع في الشأن الموراكامي، ولكنه بوضوح لا يتكلم باسمه (ولا يريد)، بل عن كتابته، بإسهاب، وبكثير من التفصيل.
سترتشر يضع موراكامي في إطار الكاتب العالمي الذي يتصادف أنه ياباني. وكان الكاتب "بيكو آير" قد كتب في مقالة نشرت في مطلع العام الحالي فقال فيها إن روايات موراكامي يابانية بالكامل مثلما هي عالمية بالكامل برغم أن روايات موراكامي ـ مثلما يبيّن سترتشر ـ لا تبدو لبعض النقاد يابانية "بالقدر الكافي".
يقول سترتشر: "أعتقد أننا في مرحلة جديدة لم يعد الكتّاب يكتبون فيها أدبا وطنيا، بل أدب عالمي. وبهذا المعنى، فإن الكتاب من خلال قدرتهم على تجاوز الحدود الثقافية والوطنية والوصول إلى ما وراءها يلقون قبولا لدى جماهير أوسع، غير مكتفين كلٍّ بشعبه، بل بشعوب خلفياتها الثقافية مقطوعة الصلة تماما بخلفية الكاتب وشعبه. وهذه هي حالة موراكامي".
وبرغم أن قصة لموراكامي أو رواية له "يابانية بالكامل" بمعنى أن شخصياتها ومواقعها وأحداثها يابانية، سواء كانت حقيقية أم خيالية، إلا أنها تحظى بقراءة عالمية من قراء متحمسين يصل الأمر بهم إلى أقصى حدود الفوضوية (فيما يتعلق بعالم الكتب على الأقل) إذ يصطفون في انتظار الإصدار الموراكامي الجديد.
يقدم سترتشز بضعة تفسيرات لنجاح موراراكمي في العالم. من بينها أن موراكامي يقبض على إحساس الحيرة الإنساني، الذي يتماهى معه الناس، لا سيما الشباب. "من أنا؟ ما الذي ينبغي أن أكونه؟ أو أكون عليه؟ ومن المسؤول عن كل ذلك؟" تلك أسئلة تصارعها شخصيات موراكامي، وهي تعكس المجتمع، لا سيما في ظل نظام تعليمي كثير القيود.
يقول سترتشر إن "مجازي المفضل هو ذلك الرجل الذي يزخرف الكعك: تخيلوا قمعا هائل الحجم مليئا بمادة، وعند الضغط على القمع تخرج المادة من نقطة صغيرة فيه وكلَّ مرة تضغط يخرج من القمع نفس الشكل. أفكر أن هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لموراكامي".
كتاب سترتشر الأخير مليء بالمعلومات والأفكار لكنه ليس كتابا أكاديميا بوضوح. صحيح أن ثمة أشكالا بيانية لكنها قليلة، وهو شخصيا يميل إلى وصف كتبه بالدراسة، ولكنها في الحقيقة دراسة قريبة مفعمة بالروح ممتعة القراءة تغطي قدرا كبيرا من أعمال موراكامي، وصولا إلى أحدث رواياته "تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنواته في الحج"مع توقفات عند عدد من الروائيين المفضلين لدى سترتشز (ومنهم أومبرتو إكو). وفي الكتاب فصل مهم مخصص لعمل موراكامي كـ"صحفي أدبي" لا سيما تحقيقه في آثار جماعة آوم وأحداث المجتمع الياباني التي قد يكون (أو لا يكون) لها تأثير على أدب موراكامي. [لموراكامي كتاب عن هذه الجماعة التي نفذت هجمة الغاز الإرهابية الشهيرة على محطة قطار الأنفاق بطوكيو سنة 1995]
يرى سترتشز أن موراكامي روائي محطم للقوالب جدير بالفوز بجائزة نوبل.
"لقد أراد التعبير عن مشاعره، وأفكاره، حول المجتمع وما يجري في رأسه، لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك من خلال قوالب الأدب الياباني الجامدة. لم يستطع أن يكتب الرواية السائدة، ولم يشأ كتابتها، فماذا فعل؟ أعاد اختراع العالم بنفسه، أعاد اختراع كيفية كتابة الرواية، وهذا أمر رائع. ولهذا أرى أنه سوف يفوز بنوبل، لأنه بمعنى ما أعاد اختراع الرواية بحيث تناسبه".
ولو أتى اليوم الذي تتصل فيه الأكاديمية السويدية بموراكامي بشأن نوبل، فأرجح الاحتمالات أن يتصل التليفزيون الياباني بسترتشر. وسيكون من الجيد أنه يتحدث اليابانية بطلاقة. وأنه معجب.

جابان تايمز
جيه جيه أودونجوي
ترجمة: أحمد شافعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))