”يجب أنّ يكون الكتاب بمثابة الفأس
لبحر الجليد بداخلنا”
عندما كتب فرانتس كافكا هذه الكلمات
المشهورة في يومنا لصديقه أوسكار بولاك عام 1904، كان يتنبأ دون علمه بالأثر الذي
ستحدثه روايته القصيرة التّي لم تكن منشورة وقتها “المسخ” على قارئ شاب من جامعة
بوغوتا في كولومبيا حيث قرأ هذا الشّاب ترجمةً لها لاحقاً في الأربعينيات من القرن
العشرين.
إن لكافكا المولود في براغ في
(تموز/يوليو 1883) تأثيرٌ عظيم بين كُتّاب القرن العشرين ابتداءً بألبير كامو
وانتهاءً بخورخي لويس بورخيس. وقدّ تمّ ابتكار مصطلح “الكافكاوية” Kafkaesque الذي يستخدم للدّلالة على وصف الأحداث الغريبة لدرجة
السّيريالية نسبةً إليه. وكان لتحول بطل روايته “المسخ”، جريجور سامسا، من عامل
يشغل وظيفةً بيروقراطية يعاني من الإغتراب إلى حشرة كبيرة الأثر الأكثر عمقاً على
الإنتاج الأدبي لغابرييل غارسيا ماركيز الذي يستشهد بالقصة كمصدر إلهام.
نُشر عام 2003 المجلد الأول من ثلاث
مخطوطات من مذكرات ماركيز “عشت لأروي”، ويتناول حياته منذ الميلاد حتى سن الثامنة
والعشرين عند حيازته على جائزة نوبل للآداب عن رواياته التّي تتسم باستخدام تقنية
الواقعية السّحرية “مائة عام من العزلة” و”الحب في زمن الكوليرا”. ويصف ماركيز في هذا
المجلد الليلة التّي جاء بها زميله في السكن بثلاثة كتب كان قد اشتراها للتوّ قائلاً:
“لقد أعارني أحدّ هذه الكتب عشوائياً لمساعدتي على النّوم كما أفعل بالعادة، ولكنّ
حدث العكس هذه المرة. لم أنم بعدها مطلقاً بسكينتي السابقة. لقد كان كتاب “المسخ”
لفرانتس كافكا، وكان بمثابة اتجاه جديدٍ لحياتي من سطره الأول القائل ‘استيقظ
جريجور سامسا من أحلامه المزعجة صباح يومِ ما ليجد نفسه في سريره متحولاً إلى حشرة
عملاقة’، حيث يعد هذا السّطر اليوم من أهم ما ورد في الأدب العالمي .”
ويضيف ماركيز: “عندما انهيت قراءة
المسخ، شعرت بشوقٍ لا يقاوم للعيش في ذلك الفردوس الغريب. يومها حملت الآلة
الكاتبة المحمولة محاولاً كتابة شئٍ من شأنه أنّ يشبه بطل كافكا المسكين يتحول
لصراصار ضخم.”
وقد عبّر ماركيز عن ذلك بوضوحٍ أكثر
في مقابلة مع مجلة باريس ريفيو “Paris Review” عام 1981 قائلاً: “عندما قرأت ذلك
السطر، قلت لنفسي أنّني لم أعرف من قبل أحداً يُسمح له بأنّ يكتب شيئاً كهذا. ولو
كنت أعلم هذا لبدأت بالكتابة منذ زمنٍ طويل. ولقد بدأت بعدها على الفور بكتابة القصص
القصيرة.”
وعلى الرّغم من أثر كافكا اللافت
للنظر، إلا أنّ كتاباته كان من الممكن جداً أن لا تصل غارسيا ماركيز بهذه السهولة
مطلقاً. فيقال أنّ كافكا كان قد طلب من صديقه المتحدث مثله بالألمانية في الجالية
اليهودية في براغ بأن يحرق أوراقه عندما توفي في سنّ الأربعين عام1924 . ولكن برود
قام مخالفاً لرغبة كافكا بنشر مجموعة مختارة من مخطوطاته، مقدماً بذلك إلى الجمهور
ما يعرف على نطاقٍ واسع بأهم جزء من الأدب الألماني في القرن العشرين.
المصدر: فريق مترجم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))