الأربعاء، 13 يناير 2016

كيف ساعدني ديڤيد بُوي على نشر ’نادي القتال‘



من الصعب أن أقرَّ بشيءٍ كهذا، لكن لديَّ تمثالًا قديمًا من الرخام لرأس ضابط سنتوريان روماني في غرفة وضع المساحيق في منزلي، وهذه غلطة ديڤيد بُوي، التمثال وأن تكون لديَّ غرفة لوضع المساحيق كذلك.

أيام الجامعة، بين الاحتجاجات على سياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا وتدخين السجائر ذات نكهة القرنفل، كنتُ وأصدقائي نتبع حميةً ثابتةً من موسيقى بُوي، من الڤيديوهات المصوَّرة لأغانٍ مثل China Girl وLet's Dance، إلى ظهوره مع فريق كلاوس نايومي لغناء The Man Who Sold the World في برنامج Saturday Night Live، وفيلم The Hunger الذي أخرجه توني سكوت في 1983. يثير هذا الفيلم الضحكات الساخرة والاستخفاف اليوم، لكن في حينها كان بُوي يرينا معنى الخروج الكريم من موسيقى الپنك روك إلى... إلى هذا، إلى حياةٍ بين التماثيل القديمة والستائر الشفَّافة، حيث يُمكنك أن تسمع موسيقى فريق Bauhaus والتشلو معًا، وترى الثريَّات الكريستال مع الدم المنبثق من وريد ودجي مقطوع.
بعد التخرُّج في عام 1986، عملتُ كمراسلٍ صحافي عمره 23 عامًا في جريدة توزَّع في الضواحي. ثمَّة شارع سري في پورتلاند اسمه Trinity Place، طوله مربَّع سكني واحد وتصطفُّ على جانبيه البنايات السكنيَّة التي كانت فخمةً فيما مضى، بينما أصبحت في حالةٍ يُرثى لها الآن. لم تكن شهادة بكالوريوس الصحافة تذكرتي إلى الثراء، وصحيحٌ أني كنت مدينًا بمبالغ كبيرة على خلفيَّة التعليم الجامعي، لكني كنتُ ما زلتُ أقود السيَّارة الفورد پينتو التي ابتعتها واستخدمتها خلال الدراسة الثانويَّة، وأسكنُ في شقَّةٍ في قبو مبنى يصلح لأن يظهر في مسلسل Downtown Abbey. يقع الستاد الرياضي على بُعد مربَّع سكني تقريبًا من هذا الشارع، وفي ذلك الصيف سمحت إدارة المدينة بإقامة عدد من حفلات الروك في الستاد، على الرغم من الشكاوى من الضوضاء التي قد تنجم عن هذا. هكذا، ذات يوم سبت بعد الظُّهر، سمعتُ صوت بُوي قادمًا من نافذتي يغنِّي الأبيات القليلة الأولى من Young Americans. ثم توقَّفت الموسيقى وخرجتُ إلى شُرفتي الصغيرة، وانضمَّ إليَّ جيراني ومعهم زجاجات البيرة. ثم بدأت الأغنية نفسها من جديد. كان ديڤيد بُوي يُجري تجارب الصوت قبل ظهوره ليلتها كجزءٍ من جولة Serious Moonlight، فكان يغنِّي Young Americans إلى ما قبل نهايتها بقليل ثم يتوقَّف ويبدأ من جديد، وهكذا عدَّة مرَّات. طوال ذلك اليوم بعد الظُّهر كنتُ وأصدقائي في ڤيديو موسيقي، نرقص في شارعنا الهوليوودي الخلفي المثالي، نشرب البيرة ونستمتع بحفلٍ لم يملك أحدنا ثمن تذكرته؛ واجتمع تكرار الأغنية مرارًا مع البيرة وضوء الشمس ليخلق تأثيرًا كالتنويم المغنطيسي.
بعد عقدٍ من الزمن لم تكن مهنتي كمراسلٍ صحافي قد قادتني إلى أيِّ مكان، وفي ذلك الحين كنتُ أمارسُ الأدب الروائي سرًّا وأبحثُ عن ناشر. وقتها كان المحرِّر الأدبي الشهير چيرالد هوارد يحضر مؤتمرًا أدبيًّا في إڤريت، واشنطن، وكان من يُطلقون عليهم اسم ’أولاد چيري‘ أشهر من النار على علم، وضمَّت قائمتهم أسماء مثل إرڤين وِلش وبريت إيليس وديڤيد فوستر والاس وچيم كارول، وكنتُ أرغبُ في الانضمام إلى هؤلاء. لم أستطع حضور المؤتمر، لكني اقتفيتُ أثر الرجل إلى بار أحد الفنادق، حيث وجدته محاصرًا بجمهرةٍ من الكتَّاب المستجدِّين الراغبين في نشر أعمالهم. يجب أن أعترف بشيءٍ هنا: يومها كنتُ أرتدي قميصًا منفوشًا كقمصان القراصنة تبقَّى لديَّ من أيام حبي لآدم آنت، وهو القميص الذي وصفَته روائيَّة كبيرة لطيفة ذات مرَّةٍ بأنه ’بلوزة لطيفة‘. لم أستطع الاقتراب من چيرالد هوارد، فطلبتُ من الساقي أن يغيِّر لي ورقة بعشرة دولارات بأرباع فضيَّة وضعتها كلها في صندوق الموسيقى، واخترتُ تشغيل الأغنية نفسها على التوالي 40 مرَّة، أغنية Young Americans التي يُمكنني أن أظلَّ أسمعها إلى الأبد على جزيرة مهجورة. أصيب أغلب الحاضرين بالضيق، وسرعان ما غادر الجميع وصار چيري لي وحدي، وفي النهاية بعتُ له ’نادي القتال‘ وخمسة عشر كتابًا بعدها، وحتى يومنا هذا لا يذكر كيف تكرَّرت تلك الأغنية مرَّة بعد مرَّة وكيف كرهني الكارهون وهم يغادرون البار.
ماذا اشتريتُ بالمبلغ الذي تلقَّيته على الكتاب؟ الحياة الجميلة بالطبع كما صوَّرها مصَّاص الدماء ديڤيد بُوي، تماثيل قديمة من الرخام، ستائر هفهافة راقية، وطبعًا غرفة وضع المساحيق. شكرًا لك يا مستر بُوي، لقد كنت مثلي الأعلى وبطلي ومنقذي، وسوف أفتقدك كثيرًا.

من موقع Rolling Stone في 12 يناير 2016.
بقلم: تشاك بولانك
ترجمة: هاشم فهمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))