سنة 2014 كانت بكل معنى الكلمة سنة التنوّع والإبداع متعدد
الأطراف، حيث شاهدنا الكثير والكثير من الأفلام التي كانت هائلة من جميع النواحي مثل
التمثيل، الإخراج، السيناريو، ..إلخ! لكن كان هنالك وجود لبعض القواعد الشاذة في هذه
الحالة، فعندما تفوّق فيلم Boyhood على
نفسه في فكرته وطريقة إخراجه، نشهّد تفوّق آخر، يُعتبر قمة هائلة في الإبداع متمثّل
بالتصوير السينمائي لفيلم Birdman أو The Unexpected Virtue of Ignorance واحد
من أقوى الأعمال السينمائية وأكثرها فرديةً لما يملكه من مقوّمات عديدة ميّزته عن الأعمال
الأخرى سيأتي التصوير السينمائي دائماً في مقدمتها.
الغريب في هذا الفيلم هو التشويق الذي يقدمه لك ليس عبر القصة،
ليس عبر السيناريو، ليس عبر الحبكة المثيرة للاهتمام بل عن طريق تصويره السينمائي،
الذي قام بالعمل عليه المبدع إمانويل لوبزكي القائم على تصوير فيلم Gravity
في العام الفائت، حيث قدّم لنا فيلماً كاملاً في لقطة واحدة متكاملة
“مع وجود تقطيعين فقط في بداية ونهاية الفيلم” ليأخذنا في رحلة لا متناهية من العبقرية
التصويرية التي دُمجت بشكل مباشر مع نظرة سينمائية ثاقبة وإخراج مناسب تماماً.
ستجد هناك دهاء حقيقي في طريقة التصوير، وجمال غير منطقي بالفعل
أثناء الانتقال بين مكان لآخر أو التحوّل خلال فترات زمنية طويلة، وهذا كان العنصر
المشوّق جداً بالفيلم إلى جانب موسيقى خلفية مزعجة إلى أبعد الحدود، لكن ما أروعها!
الموسيقى التصويرية أتت بجودة عالية جداً لتطبق الكمال على طريقة التصوير السينمائي،
فكانت دقيقة، عميقة وغريبة في الوقت ذاته لكن بالفعل ملائمة بشكل هائل، وكان لها نصيباً
كبيراً من تأثير هذا الفيلم على شخصية المشاهد.
في الواقع يلخّص هذا الفيلم تتالي الإبداعات الفرديّة، فبعد
روعة التصوير السينمائي، الموسيقى التصويرية، لدينا الإخراج الهائل الذي أشرف عليه
اليخاندرو غونزاليس ايناريتو عبقري آخر والذي لا يكتفي أبداً في صنع الأفلام بطريقة
عاديّة بل دوماً ما يعشق المخاطرة، التي نجحت وبشكل كبير في فيلم Birdman
مقدماً لنا لوحة سينمائية متكاملة طموحة لا بديل عنها.
فضلاً عن مشاركته في إنتاج الفيلم وكتابة نصّه الذكي جداً
إلى جانب أسماء أخرى نيكولاس جياكوبوني، آليكسندر دينالاريس وأرماندو بو .. نص لاذع
كان له دور كبير في نقل محتوى الفيلم بثقله المعنوي الهائل ومعانيه الخفيّة اللامتناهية،
التي بالفعل يلزمك التمعّن فيها قليلاً لتكتشف خلفها عالماً مختلفاً عن ما حاول مسبقاً
المخرج ابتكاره، والمصور في لحظتها إبداعه.
تميّز الفيلم بعدة نقاط قويّة جداً، لكن التصوير السينمائي
كان إحدى النقاط المضيئة جداً، وفي رأيي أن دون هذا التصوير ما كان سطع نجم الفيلم
إلى هذه الدرجة، في الواقع لا يمكنني تخيّل عرض الفيلم بأي طريقة مختلفة، ولا أريد
ذلك، فهذا العمل السينمائي الرهيب لا يجب أبداً المساس به أو التحريف على إبداعه اللامتناهي
أبداً.
بالطبع لدينا عوامل كثيرة تدعم قوة الفيلم وما نحتاجه الآن
هو مايكل كيتون، الذي بكل بساطة قدّم واحد من أفضل أدواره أو أفضلها، مشكلاً في ظني
ليس كما يقولون عودة قويّة بل بداية قويّة لمسيرة سينمائية تغيّرت بالكامل بعد أدائه
في هذا الفيلم، فكيتون ببساطة شديدة كان هائلاً تقمّس الدور بطريقة لا غنى عنها وأضاف
لمسة سحرية كانت سيفتقدها الفيلم في غيابه مشاركةً مع ممثل مساعد رائع هو إدوارد نورتون
الذي وكعادته كان ملكاً بالفعل على شاشة اعتاد دوماً التميّز عليها.
فضلاً عن جميع هذه الأمور السابقة قدّم لنا الفيلم عنصر الكوميديا
السوداء، ليصبح بذلك بالفعل لوحة متكاملة من المتعة الكبيرة، فنعم جميع هذه الأمور
متوافرة كيف لن يكون هذا الفيلم ممتعاً؟ من ناحية أخرى قد يختلف البعض معي ولكن أظن
أن إيما ستون لم تستحق ترشيحها لجائزة الأوسكار فكانت من الأفضل أن تحصل عليها ريني
روسو من فيلم Nightcrawler أو حتى نايومي واطس من فيلم
Birdman التي لمرة جديدة قدّمت أداءً
يليق بمستواها وكان له تأثيره مهم في مسير أحداث الفيلم.
يتحدّث الفيلم عن ممثل يدعى ريغان طومسون (مايكل كيتون) فقد
شهرته وسمعته بعد قضائه سنين في القمة أثناء لعبه لشخصية سوبرهيرو اسمه Birdman، بطل أيقوني له سمعته ومكانته، والآن عليه تقديم
أداء لا يُنسى على أحد مسارح برودواي الشهيرة لإثبات مكانته في منتصف الكثير من الأحداث
السلبية في حياته، كمشاكله مع عائلته، اقترابه من الإفلاس التام وبعض الأصوات الغريبة
في رأسه. شارك في هذا الفيلم أيضاً كما ذكرت سابقاً إدوارد نورتون، إيما ستون، نايومي
واطس بالإضافة إلى ذلك لدينا زاك غاليفياناكيس، أندريا ريسبوروج وايمي ريان.
بالطبع انطلاقا من قصة الفيلم ستعتقد إنه لوحة اعتيادية عن
ممثل ضل طريقه في نهاية مسيرته، ولكن لا، الأمر لا يتعلق أمراً بهذا الأمر ففضلاً عن
الكوميديا الذي يستطيع هذا الفيلم تقديمها لنا، يتميّز الفيلم بعدة أفكار مطروحة وأبعاد
غير متناهية لمحتوى عميق حقيقي لا يقتصر فقط على الممثلين والمشاهير، بل يقتصر على
الإنسان بشكل عام، وبالرغم من تسليط الضوء على شخصية الممثل الرئيسية إلى أن كل شخصية
في هذا الفيلم كان لوجودها معنى خاص مختلف عن البطل الرئيسي.
تلقى الفيلم بكل تأكيد نقداً إيجابياً هائلاً مركزاً بشكل
كبير على مجازفة المخرج في تقديمه لهذه النظرة الهائلة لأحد أعماله السينمائية الكبير،
وتم افتتاحه في مهرجان Venice الدولي للأفلام بتاريخ 27 أغسطس
من عام 2014، قبل أن يحظى بعرض محدود في أكتوبر من العام ذاته ويستمر في ذلك إلى
14 نوفمبر عندما حظي بعرض يليق به بعد عمل شركة Fox
Searchlight Pictures على توزيع الفيلم، ساهم في
تحقيق هذا الفيلم لإيرادات عالمية قدرها (72 مليون دولار) مقابل ميزانية قُدرت بـ
(18 مليون دولار).
استطاع هذا الفيلم في عالم جوائز الأوسكار احتلال المركز الأول
من عدد الترشيحات مشاركةً مع فيلم مذهل آخر The
Grand Budapest Hotel بتسع ترشيحات لكل منهما، شملت
ترشيحات فيلم Birdman فئات أفضل فيلم، أفضل إخراج،
أفضل ممثل في دور رئيسي، أفضل ممثل في دور مساعد، أفضل ممثلة في دور مساعد، افضل نص
أصلي، أفضل تصوير سينمائي، أفضل دمج للأصوات وأفضل تحرير للأصوات.
بقلم: نادر شاكر
المصدر: اراجيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))