(1)
نعتتني أمي
اليوم، عندما كان هناك ضوء، بالقذر. أنتَ قذر! هكذا قالت لي والغضب يلتمع في
عينيها.. أتمنى معرفة معنى كلمة قذر تلك..
سقطت
المياه من الدور العلوي اليوم وغطَّت المكان كله. رأيتها بعيني.. راقبتُ الأرض
تتشرَّب المياه من نافذتي الصغيرة، وتشرَّبت كثيرًا جدًّا حتى مرضَت وتحوَّل لونها
إلى البني.. لم أحب ذلك..
أمي جميلة،
أعلمُ هذا.. أحتفظُ بأشياء ورقية غريبة وجدتها وراء الفرن مكتوب عليها "صور
النجوم" فيها وجوه كأبي وأمي.. أبي يقول إنها جميلة، قالها ذات مرة..
وقال إن
أمي أيضًا جميلة، وإن مظهري مقبول.. نظر إليَّ ليخبرني بأن وجهي ليس لطيفًا..
حاولت إمساك ذراعه وقلتُ له إنها ليست مشكلة بالنسبة لي، ليجفل ويبتعد عن مجال
يدي..
اليوم فكت
أمي السلسلة لبعض الوقت ليمكنني النظر عبر النافذة الصغيرة.. هكذا رأيت الماء
يتساقط من أعلى..
(2)
اليوم هناك
شئ ذهبي بالأعلى آلمتني عيناي حينما حدَّقت فيه، وبعدما نظرت إليه اكتسى القبو
باللون الأحمر..
الأم
الصغيرة في الفناء الخلفي.. هي أصغر مني بكثير.. أستطيع النظر من النافذة الخلفية
كما أشاء..
في هذا
اليوم، حين حلَّ الظلام، أكلتُ طعامي وبعض الحشرات.. أسمع ضحكاتٍ بالأعلى.. أريد
أن أعرف لماذا يضحكون.. أخذتُ السلسلة من الحائط ولففتها حولي.. مشيت محدِثًا جلبة
متجها إلى أعلى.. تُحدث السلاسل صريرًا حين أمشي عليها، تلتصق بقدمي لعدم إمكاني
المشي على السلالم.. ستلتصق قدمي بالخشب لو فعلت..
أكملت
السير لأفتح بابًا.. كان لون المكان أبيض، أبيض كالجواهر البيضاء التي تأتي من
الطابق العلوي أحيانًا.. دخلتُ لأقفُ صامتًا فتوقَّفوا عن الضحك.. مشيتُ نحو الصوت
وحدَّقت في الناس.. أناس أكثر عددًا مما توقَّعت.. ظننت أن بإمكاني الضحك معهم..
جاءت أمي
لتدفع الباب للداخل، فصدمني ليؤلمني بشدة.. وقعتُ على الأرضية الناعمة لتُحدث
السلاسل ضوضاء مزعجة.. أخذتُ أبكي.. أصدرت أمي صوت هسيس من فمها الذي وضعت إصبعها
فوق شفتيها المضمومتين واتسعت عيناها..
نظرتْ
إليَّ.. ناداها أبي ليسألها عما وقع، لتجيبه بأنه لوح المكواة المعدني، وتستطرد
بأنه ثقيل ويجب عليه مساعدتها.. جاء ورآني ليتضح الغضب في عينيه.. ضربني ليسقط مني
بعض السائل على الأرض الناعمة، ولم يكن هذا جميلاً لأنه صنع بقعة خضراء لزجة على
الأرضية..
أمرني أبي
بالعودة إلى القبو، وكان عليَّ أن أطيعه.. الضوء يؤلم عينيَّ الآن، لم يحدث هذا لي
قبلاً في القبو..
ربطني أبي
من يديَّ وقدميَّ ووضعني فوق السرير.. سمعتُ الضحك يعود بالأعلى وأنا صامتٌ
أتأمَّل عنكبوتًا يتدلى ناحيتي.. أظن أن ما قاله أبي هو "إلهي!".
(3)
اليوم
اصطدم أبي بالسلسلة قبل مجيء الضوء.. سأحاول نزعها مرَّة أخرى.. قال لي إنني (سيئ)
لأني صعدت للأعلى، وأشار أنه سيضربني بشدة إن كرَّرت تلك الفعلة مرَّة أخرى.. هذا
يؤلم..
أتوجَّعُ حقًّا!
أتوجَّعُ حقًّا!
أرحتُ رأسي
على الحائط البارد، وأخذتُ أفكر في المكان الأبيض بالأعلى..
(4)
انتزعتُ
السلسلة من الحائط.. كانت أمي بالأعلى.. سمعتُ ضحكة خفيفة بصوتٍ شديد الارتفاع..
نظرتُ عبر النافذة لأرى الأقزام كالأم الصغيرة والآباء ضئيلي الحجم.. يتمتَّعون
بجمالٍ لا شك فيه..
كانوا
يصدرون ضوضاء لطيفة أثناء قفزهم على الأرض، وكانت أقدامهم تتحرَّك بسرعة وعنف..
يبدون كأمي وأبي.. تقول أمي إن من يشبهونهم أشخاص طيبون..
رآني أحد
الآباء الأقزام ليشير إلى النافذة.. تركتُ القضبان لأنزلق إلى أسفل وأختفي في
الظلام.. تكوَّرت حول نفسي حتى لا يرونني.. سمعتُ كلامهم عبر النافذة وصوت أقدامهم
وهي تجري مبتعدة.. بالأعلى كان هناك صوت باب يُصفَق.. سمعتُ صوت أقدامٍ ثقيلة
لأهرع إلى مكان نومي.. قرعتُ السلسلة على الحائط وانبطحتُ على وجهي..
سمعتُ أمي
تقترب..
- هل
اقتربت من النافذة؟
هكذا قالت
لي.. لأشم رائحة الغضب في صوتها..
- ابتعد عن
النافذة.. لقد خلعت السلسلة من الحائط مرَّة أخرى!
أخذت العصا
وضربتني بها.. لم أبكِ.. لا أستطيع.. لكن السائل أغرق السرير بأكمله.. انثنت عائدة
وهي تُصدر بعض الضوضاء..
- يا إلهي!
لماذا فعلت هذا بي؟
قالتها
مذعورة.. سمعتُ صوت العصا تقع على الأرض، ثم خطواتها المتعجلة وهي تعدو إلى أعلى..
نمتُ بعدها
حتى آخر اليوم..
(5)
في هذا
اليوم سقطت المياه مرة أخرى..
عندما كانت
أمي بالأعلى سمعتُ الصغير يهبط السلالم ببطء.. اختبأتُ في صندوق الفحم حتى لا تغضب
أمي إذا رأتني الأم الصغيرة..
كان هناك
شيء صغير معها.. يمشي على ذراعيه ولديه أذنان مثلثتان.. قالت له شيئًا ما..
لم تكن
هناك مشاكل حتى بدأ الشيء الصغير يتشمَّمني.. قفز فوق الفحم ليقف ناظرًا إليَّ..
وقف شعر المخلوق وتقوَّس ظهره وأصدر صوتًا غاضبًا.. هسهستُ له لكنه وثب عليَّ!
لم أقصد
إيذاءه.. كنتُ خائفًا لأن عضته أقوى من عضة الفأر.. تألمتُ والأم الصغيرة تصرخ!
قبضتُ على الشئ الصغير بإحكام ليحدث أصواتًا لم أسمعها في حياتي.. اعتصرته
ليتحوَّل إلى عجين لزج أحمر يقطر منه سائل أحمر على الفحم الأسود..
اختبأتُ
هناك عندما نادت أمي.. كنتُ خائفًا من العصا.. رحلت أمي لأزحف فوق الفحم وفي يدي
بقايا الشئ الصغير.. خبأته تحت وسادتي واسترخيت فوقها ووضعتُ السلسلة على الحائط
مرة أخرى..
(6)
في وقتٍ
لاحق قيَّدني أبي بإحكام.. كنتُ أتألم لأنه ضربني بشدة.. تلك المرة لطمتُ العصا من
يده لتُحدِث ضوضاء.. ابتعد عني وقد تلوَّن وجهه باللون الأبيض، ثم هرع خارجًا من
مكان نومي وأغلق الباب..
لستُ
مسرورًا.. الجو شديد البرودة طوال اليوم.. السلسلة تخرج ببطء من الحائط..
أشعر بغضب
شرير تجاه أبي وأمي.. سأريهما!
سأكرِّر ما
فعلته سابقًا..
سأصرخ
وأضحك بصوتٍ عالٍ.. سأمشي على الحوائط.. سأضع رأسي بين قدميَّ وأنثر الأخضر في
المكان كله حتى يندما على عدم لطفهما معي..
إذا حاولا
ضربي مرة أخرى سأؤذيهما..
سأفعلها
حقًّا!
المصدر: صفحة المترجم
ريتشارد
ماثيسون
ترجمة:
تامر فتحي - إعداد: هشام فهمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))