صدرت
في عام 1925. لكنها لم تطبع في روسيا إلا في عام 1987 إنها مثال واضح على الأدب الهجائي
. و فيها يطوّر بولغاكَف تقاليد الكاتب الروسي الشهير غوغول – الأب الروحي للمدرسة
الهجائية الروسية . حيث يجمع في الرواية بين عنصرين : الفنتازيا و الواقع .
تتركز أحداث رواية ” قلب كلب ” حول التجربة العلمية التي يقوم
بها البروفيسور بريوبراجينسكي ( نقل الغدة النخامية من رجل قتل حديثاً إلى دماغ الكلب
شاريك ) فيحوِّل من خلالها الكلبَ اللطيف شاريك إلى رجل ذي هيئة دميمة . فتتحد في ذلك
الكائن الناتج عن هذه التجربة العلمية طباع الكلب الجائع و الذليل أبداً مع مواصفات
الإنسان المانح – كليم تشوغونكين – المدمن على الكحول و من أصحاب السوابق . ولأن العامل
الوراثي مثقل هنا فإن عملية إعادة تربية ” الكلب ” شاريكَف تتعثر جداً ، إذ يعجز البروفيسور
بريوبراجينسكي و مساعده بورمِنتال عن تعليمه قواعد السلوك الحسن و عن تطوير الآداب
الإنسانية لديه .
فمثلاً ، من بين مختلف الأنشطة الثقافية المتاحة نجد أن السيرك
هو أكثر ما يروق لشاريكَف . في حين أنه يرفض الذهاب إلى المسرح و يعتبره ” معادياً
للثورة ” . أضف لذلك ، أنه دخل على خط إعادة تربية شاريكَف رئيس لجنة الشاغلين في البناية
المدعو شفوندر . فهو يسعى جاهداً لكي يضمَّ شاريكَف بأسرع وقت ممكن إلى بناة الاشتراكية
، و لهذا نجده يمدّ شاريكَف بمختلف الأدبيات الماركسية من مثال ” مراسلات إنجلز مع
كاوتسكي ” . و الحقيقة هي أن شفوندر يمقت البروفيسور بريوبراجينسكي لأن هذا الأخير
يشغل سبع غرف و قد باءت محاولات شفوندر التضييق عليه و انتزاع غرفة منه بالفشل لأن
حياة أشخاص ذي نفوذ كبير في موسكو تتوقف على مهارة البروفيسور الجراح . فلا يبق أمام
شفوندر سوى الاعتماد على شاريكَف .
ثم نرى كيف إن شاريكَف حصل على بطاقة شخصية من شفوندر باسم بوليغراف
بوليغرافيتش .. و نرى كيف إن بوليغراف هذا صار يحفظ جيداً الشعارات الاشتراكية .. و
أكثر من ذلك – راح يستعملها بخبث عند حواره مع خصومه المثقفين . بل إنه بدأ يعتبر نفسه
” من العناصر العمالية ” و راح يطلق على شفوندر لقب ” المدافع عن المصالح الثورية ” .
باختصار نجد أن خصال شاريكَف – التخلف العقلي و الانحطاط الأدبي
و الأخلاقي بالإضافة للنزعة الطفيلية – قد وجدت تطويراً لها بفضل الشعار الثوري السائد
حينذاك : ” من كان لا شيئاً – سوف يصبح كل شيء ” . و هذا ما يحاول شفوندر تلقينه لشاريكوف
مانحاً إياه الثقة و الوقاحة .
و بالفعل ، بعد أن يشعر بالأمان و بأنه تحت حماية السلطة البروليتارية
– نجده يلجأ لتهديد البروفيسور و مساعده و يحاول فرض شروطه عليهما . بل نجده يتنصت
على حديثهما لكي يسطر تقريراً ضدهما .. و هذا ما يقوم به بالفعل إذ يكتب وشاية ضد البروفيسور
، الذي قذف في لحظة انفعال بكتيب ” مراسلات إنجلز مع كاوتكسي ” إلى الموقد.
و هنا تظهر عبقرية الكاتب – فقد كتب بوليغراف وشايته بأفضل الصيغ
التي ستصبح سائدة في ثلاثينيات القرن العشرين . نعم لقد تنبأ الكاتب في عام 1926 بالكارثة
التي تنتظر روسيا – حين راح أمثال شاريكَف التافهون و العدائيون و السفهاء ، و قد تكاثروا
كما الفطر بعد المطر – راحوا يخنقون كل ما هو جميل و شريف و فاضل ، راحوا يدوسون كل
ما هو مختلف عنهم و كل ما لا يفهمونه .
لقد ظهر شاريكَف في راوية بولغاكَف ” كوجه اجتماعي ” قريب جداً
للسلطة الجديدة . لذلك ليس عبثاً أنه يجد مكانه بسهولة في هذه البلاد الثورية – دون
أن يمتلك لا الذكاء و لا الثقافة . إلا أن لديه ما هو ضروري – دعم و رعاية شفوندر ،
الذي يدبر له منصب رئيس قسم تنظيف مدينة موسكو من الحيوانات الشاردة . إن هذا العمل
يناسبه عن حق : لقد تحقق حلمه بأن ” يخنق و يخنق ” القطط .
إن بولغاكَف : و هو يبين لنا كيف تحصل عملية تطور شاريكَف و
كيف هو يصبح أكثر وقاحة و أكثر عدوانية – يرغم القارئ الذي يستمتع باللوحات الساخرة
و التعليقات الظريفة ، لأن يستشعر الخطر الكبير من ظاهرة شاريكَف ، هذه الظاهرة الاجتماعية
الجديدة التي راحت تنشأ في روسيا في عشرينيات القرن الماضي . فالسلطة الثورية تشجع
التصادم و الوشاية و ترعى كتَبَة التقارير ، مُحررةً بذلك الغرائز الأكثر انحطاطاً
عند البشر غير المتعلمين و غير المثقفين . إنها تمنحهم الإحساس بالسلطة على الناس الأذكياء
و المثقفين و العقلاء .
إن أمثال شاريكَف ، و بعد أن أصبحت السلطة بأيديهم ، يشكّلون
خطراً رهيباً على المجتمع . كما إن بولغاكَف يتطرق إلى أسباب ظهور أمثال شاريكَف في
المجتمع . فإذا كان شاريكَف نتاج تجربة علمية ، فإن ظهور أناس مع قلب كلب في روسيا
كان ممكناً أن يكون نتيجة لعملية ما سمي بناء الاشتراكية . هذه التجربة الهائلة بمقاييسها
و الخطرة جداً بعواقبها . إن محاولة بناء مجتمع عادل و محاولة تربية الإنسان الواعي
و الحر عن طريق الثورة ، أي بوسائل قسرية ، محفوفة بالمخاطر و مصيرها الفشل ، من وجهة
نظر الكاتب . ذلك أن السعي لتدمير العالم القائم مع جميع قيمه و تقاليده الإنسانية
العريقة و تشييد مكانها حياة جديدة كلياً – يشكل تدخلاً قسرياً في المسار الطبيعي للأشياء
.إن عواقب هكذا تدخل ستكون كارثية . هذا ما يؤكده لنا البروفيسور بريوبراجينسكي . ما
زالت راوية الكاتب الروسي المبدع بولغاكَف ” قلب كلب ” تحافظ على راهنيتها و أهمية
نتائجها و دروسها. و هي تستحق القراءة .
المصدر: مدونة
روعة الأدب الروسي
لتحميل الرواية
https://twitter.com/ketabplus/status/642703514452398080
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))