كيف يمكن أن تتحمل أو أن تفكر في قراءة رواية يظهر على غلافها
صورة رجل صارم في آواخر الستينات أو بداية السبعينات، وتدور أحداثها حول أرضٍ تزرع؟
هذا ما حيّر أحد قراء الرواية عندما قال: الشخصيات يصفها هامسون
بأنها بشعة، القصة تدور حول أرض تزرع! لا فتيات جميلات، لا قصص غرامية، لا مغامرات،
لا وجود للذة غريزية متعارف عليها يلعب عليها كاتب هذه الرواية، إلا أني لم استطع التوقف
عن قرائتها من أول سطر! هنا يأتي دور هامسون في كتابة أحد أجمل الأعمال الأدبية التي
يكون فيها السرد الممتع واللذيذ موازي لشاعرية مخفية خلف النص لا يمكن أن تذاق إلا
بعد اكتمال النص كاملاً. وما يجعل النص ممتع ولذيذ، بهذا الشكل الذي رسمه هامسون، إلا
لأننا طوال الرواية نحاول الحفر داخل النص مع كل تقدم في القراءة للبحث عن هذا الشيء
المتوهج، هذه الشاعرية، هذه التأويلات التي نحاول أن نستخرجها لأن النص يدفعك للتأويل.
لا مناص من أن خلف هذه القصة، التي لو تم ذكرها لأي شخص لم يقرأ الرواية لتعجب من كيف
يمكن أن يعجب بها إنسان، مغزى مفتوح للجميع. إلا أن الجمال يكمن في طريقة هامسون الروائية.
هامسون كتب عملاً يعتبر إنعكاس للذة الشعور المجهولة التي نشاهد
من خلالها لوحة إنطباعية. تماماً كما قال صاحبنا السابق، كيف يمكن أن أعجب بهذه (اللوحة)؟
ويخيّل إليّ لو وضعنا صاحبنا هذا أمام لوحة لمونيه أو جوخ لقال الكلام ذاته. أشكال
غريبة غير جميلة، خطوط متعرجة ومنظر لأرض طبيعية. لا أثداء، لا قبلات، لا مسيح هناك،
بل أرض وحيدة جرداء فوقها مزارعين أو فلاحين. إلا أنها تعطينا جمال ولذة شديدين.
المشكلة هنا بأنني لا أستطيع مقارنة هذا العمل بأيٍ من غيره.
فلم اقرأ رواية شبيهه بـ “واخضرت الأرض”. فسبق وعرفت هامسون في “الجوع” وفي روايته
الأخرى “أسرار” وأستطيع القول بأن هذان العملان شبيهان بأعمال أخرى. إلا أنه هنا كان
قد استحدث أسلوب جديد تماماً، لم اقرأ مثله من قبل. فأذكر أن أحد أكثر المواقف المؤثرة
في الرواية هي صرامة إسحق نفسه. هذا الرجل الذي لا يعرف سوا الحرث والزرع، والبناء
وتجميع البطاطس، والذي كان في بداية الرواية إذا مر به أحد، قال له: اسأل لي عن امرأة
تساعدني. وتأتيه أنجر، إلا أن أحداثاً تصير، وفي منتصف الرواية تكون شخصية الزوجة قد
تغيّر طبعها، وآه من هامسون ورسمه لطباع الإنسان في هذه الرواية، فأنت طوال النصف الأول
من الرواية تشاهد التغير الذي حدث لأنجر بسبب حدث ما. طريقة إستقبال إسحق لهذا التغيّر،
ثم استخدام صرامته في موقف لا يتجاوز وصفه سطرين فقط. هو من أجمل ما قرأت. وهذا هامسون
هنا، الحياة تأخذ مجراها، لا تسليط على أي موقف بشكل مكثف، حتى لو كان الموقف حساس
ويحتاج إلى كثافة في وتركيز. لكن لا، هامسون يسير بشكل صارم.
هذا العمل إستثنائي، وتجب قرائته من قبل القارئ المهتم بالرواية.
المصدر: مدونة سياف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))