الأحد، 16 أغسطس 2015

الفيلم الليبي القصير "العشوائي" يرصد ظاهرة التصنيفات الحادة بالمجتمع




يصور الفيلم الليبي القصير "العشوائي" تأثيرات ثورة فبراير على المجتمع الليبى، ويرصد ظاهرة بروز الصراعات والتصنيفات الأيديولوجية المفتعلة عقب سقوط نظام القذافي، من خلال حكاية "المعتصم"، شاب ليبي كان خارج البلاد في فترة الثورة ، إلا إنه بعد نهاية الصراع المسلح في صيف 2011 يقرر العودة لأرض الوطن متفائلًا طامحًا كي يشارك في إعادة بناء المجتمع والدولة بعد أعوام طويلة من القمع والكبت للحريات، فيجد نفسه ضحية لالتباسات كثيرة حول كيفية تصنيفه ضمن داء تفشى في المجتمع الليبي في فترة الثورة وما بعدها حتى أوصلهم للاقتتال ضد بعضهم البعض، وبعد فترة من ممارسة العنف اللفظي والجسدي في الحياة اليومية، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية والفضائيات الجديدة.

و"العشوائي" في الأصل كان حلقة من حلقات مسلسل فوبيا (انتاج العام 2013) تم تحويلها إلى فيلم سينمائي قصير، وفق رؤية فنية للمخرج أسامة رزق، وباستخدام أحدث تقنيات التصوير والمعالجة الفنية. ذلك أن تقطيع المشاهد، وزوايا اللقطات واستخدام الإضاءة والموسيقى التصويرية مع الحوارات القصيرة المكثفة بدت مناسبة لفيلم سينمائى أكثر منها لحلقة تلفزيونية.

كان أداء نادر اللولبي لدور المعتصم وهو الشخصية الرئيسة في الفيلم القصير مقبولًا إلى حد كبير رغم الرتابة وفقدان الحيوية في بعض المشاهد في البداية، وهذا لنقص الخبرة والدراسة والتدريب ربما يتم تداركه مستقبلًا، إلا إن أداءه تحسن ونجح في الجانب الكوميدي من الفيلم، وتمتع واصف الخويلدي بحضور خفيف الظل في اللقطات القصيرة التى ظهر فيها بالفيلم.التصوير والمونتاج مع الموسيقي التصويرية منح لأحداث الفيلم القصير حيوية وتشويقًا، بالإضافة للكوميديا الراقية المقدمة في الفيلم دون ابتذال أو ركاكة عند طرح مثل هذا النوع من المواضيع.

يدخل هذا النوع من الأفلام القصيرة ضمن سينما تركز على مواضيع حقوق الانسان والتغيير الاجتماعي، التي تحث المشاهدين على التفكير وطرح القضايا للنقاش على نطاق واسع في المجتمعات. فالأفلام لديها القدرة على الوصول إلى قدر كبير من شرائح أي مجتمع، كما تملك إمكانية إنجاز الكثير مما لايمكن أن تفعله أي برامج حوارية أو مطبوعات حول حقوق الانسان، كما يمكن لها أن تلعب دورًا مهمًّا في التوعية حول التعصب الاجتماعي والفكري في المجتمع، وتساهم في التعريف بالتحديات الكبيرة في الفترات الانتقالية التي تمر بها المجتمعات خلال التغييرات السياسية الكبيرة. في هذا الإطار أرى أن فريق عمل "العشوائي" نجح في تسليط الضوء على هذه الظاهرة المستجدة، أي التصنيفات الفكرية والسياسية العبثية في مجتمع ما بعد الثورة في ليبيا، وأعتقد أنه لو توفرت الإمكانيات المادية والفنية بشكل أفضل وضمن ظروف أكثر استقرارًا فسنشاهد أفلامًا قصيرة وطويلة تعالج مشاكل هذا المجتمع وأزماته بشكل أفضل وأعمق، وهو ما آمله.

قام ببطولة "العشوائي" كل من: نادر اللولبي ومحمد عثمان وواصف الخويلدي ورمضان المزداوي ومهند كلاش ومحمد الصادق، وهو من تأليف الكاتب الليبي سراج هويدي، ومن إخراج المخرج أسامة رزق، والموسيقى التصويرية لربيع الزموري، تبلغ مدة الفيلم 25 دقيقة .

عُرض الفيلم ضمن عرض خاص في الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس عام 2014.

شكرًا لمؤسسة العين وشركة أرت برودكشن لإنتاجها هذا العمل الفني، و شكرًا لفريق العمل السينمائي ومحاولاتهم الجادة لتقديم مايساهم في الارتفاع بوعي المواطن العادي رغم كل الظروف الصعبة التي تشهدها ليبيا خلال العامين الأخيرين. كما أتمنى أن يقدم هذا الفيلم في عروض خاصة لطلاب المدارس والجامعات وفي القنوات الفضائية الليبية.
بقلم: ايناس المنصوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))