الاثنين، 17 أغسطس 2015

أعد تعريف جنونك



  
لا تصدقهم إن أخبروك إنك مصاب بعطب ما. العالم مليء بالمجانين والقتلة، ومليء أيضًا بالمبدعين الثوريين. إنهم يكذبون عليك عندما يخبرونك إنك لعبة مكسورة، كي يتمكنوا من وضعك في صندوق مع بقية الألعاب الأخرى المكسورة، حيث لن تستطيع التسبب في أية متاعب أو أسئلة، لن تستطيع ارتداء القبعات أو إحراق الستائر.

الجنون مزيّة، فقط حين لا يتدخل الآخرون لإفساده. وعندما تعطي جنونك المدى الكامل حتى نهايته، سوف تدرك أن الجنون الحقيقي قد أعيد تعريفه ليصبح شبيهًا بالحياة الطبيعية.

سوف تجثو على ركبتيك أمام عظمة ذاتك عندما تدرك حقيقتك. سوف تفزعك الحياة العاديّة. سوف تستمع إلى أغنيتك لأول مرة منذ أن تركت درجات النعيم، ولن تتقرب إلى أية حقيقة سوى حقيقة ذاتك.


بعض الناس لا يصابون بالجنون أبدًا، يا لها من حياة تعيسة تلك التي عاشوها.”

تشارلز بوكوفسكي


سيعرضون عليك عقاقير كيميائية تجعلك تفقد الإحساس، سيعرضون عليك أن تدخل في القفص، مقابل وعودهم لك بأن تزول آلامك، ولكن الحقيقة أن آلامك هي بالضبط ما تحتاجه كي تصل إلى ذاتك الكاملة. إنه سياج كهربائي، منظر طبيعي هائل يقف بينك وبين كل ما هو مقدّس. إنه مصنوع ليقوم بصعقك وإيقاضك. لا تدع أحدًا يقوم بسرقته منك.

ألست من صنعت هذه الأوركسترا؟ ألست ذكيًا؟ ألست عبقريًا؟ وبالتأكيد سيخبرونك إنك أقل من هذا بكثير. سيخبرونك إنك حساس أكثر من اللازم، وإنك لا تعرف الفرق بين الحقيقة والخيال. وعندما توشك أن تصدقهم، عليك أن تنظر إلى العالم العادي. هل يبدو عاقلًا بالنسبة لك؟ هل يبدو منطقيًا لك أن تعيش في عالم تصنع الشركات الكيميائية فيه غذائك، وهي تضع جينات الضفادع في الطماطم الذي تبتاعه؟


 
هل يبدو منطقيًا بالنسبة لك أن تتحكم شركات ضخمة في مواعيد طعامك، نومك، وتدخينك، وجلوسك لساعتين كاملتين في ازدحام الطرق كل يوم، كي ينتهي بك الأمر وأنت تسير إلى رصيف مصنع تعمل فيه، وتضع المسامير خلف ماسحات الباركود طوال اليوم؟

من يريد أن يكون عاقلًا في عالم كهذا؟ من يريد أن يكون راضيًا، أو متوافقًا مع سكّان كهؤلاء؟

ألمك الداخلي هو فوضى العالم. الحرب داخلك. الاستعباد محفور في خلاياك. السماوات الفضية ليست سوى ألمك الذي يحجب روحك المشرقة من الظهور. المسافة بين ما تعتقد أنها حقيقتك، وبين حقيقتك فعلًا، ليست سوى أرض يباب من الكذب.

أنت وحدك من تستطيع أن تخلق الرؤية من العمى. أنت وحدك من تستطيع أن تنتزع الألماس من الأرض. أنت وحدك من تستطيع أن تضرب طريقك في ألف ميل من المتاهات: طريق مليء بالعقبات والسحرة والألغاز، صنعته أنت لأجلك وحدك لتشعر بعظمتك.



كيف إذن بإمكانك أن تكون الضحية؟ كيف إذن بإمكانك أن تخرج كل صباح لتطوي الملابس في أحد فروع “Gap"؟ كيف إذن بإمكانك أن تتعرف على اليأس؟ كيف للشمس أن ترى نفسها بغير الأعين المتواضعة للأرض؟ كيف للقيمة أن تُعرّف دون تباين؟

سوف تنفجر بذواتك الأخرى مرة بعد أخرى، ولن تستطيع تمييزها في أغلب الأوقات: لأنها ستكون متباينة بعيدة، ستكون طيبة وستكون شريرة، ستكون عالية، وستكون نجومًا مندثرة. ستسقط خارج الوقت والفضاء. ستسقط في حفر الأرانب، والتي بدورها ستأخذك لحفر أخرى.

ستنجح في إنجاز أمور مستحيلة. ستجعل الأشياء حولك تختفي، وستجعل الأشياء حولك تعاود الظهور. ستصرخ في وجوه المدن. ستبكي وستنقذك أمهات الرحمة عندما تكون قد جثوت على قدميك. ستنْحت أرضًا جديدة. وستكتب مخططاتك العظيمة عليها، لتتمكن من عيشها لاحقًا.



لا تخف من الحطام. لا تخف من الظلام. أنت الظلام أيضًا، وفي البداية، لن تضيء طريقك سوى أصغر شعلة. إنها في داخلك. لن ترى حتى طرف حذائك وستمد كاحلك حتى تتأكد أن المكان آمن للسير قبل أن تتحرك: خطوة واحدة فقط. وأحيانًا نصف خطوة. وأحيانًا -في عالم لم تتمكن من فهم ذاتك فيه بعد- ستكتشف أن ذاتك العظيمة ستتقدم باتجاهك 10 آلاف خطوة.

أليسون ناپي
ترجمة: محمد الضبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))