قال الرجل
السابع بصوت خافت يوشك أن يكون همسا: "كادت موجة هائلة أن تطيح بي. كان ذلك في
عصر يوم من سبتمبر وكان عمري وقتها عشر سنين".
كان الرجل
آخر من يحكي قصته في تلك الليلة. وعقارب الساعة كانت قد تجاوزت العاشرة، بينما المجموعة
الصغيرة المتحلقة حول النار تسمع الريح إذ تمزق العتمة بالخارج، مولية جهة الغرب، تهز
الشجر، وتضرب الشبابيك فتقعقع، وتمر بالبيت في صفير نهائي.
قال
"كانت أكبر موجة شهدتها في حياتي. موجة غريبة. عملاقة جبارة".
وسكت
لوهلة.
"أفلتتني
بصعوبة، لكنها بدلا مني أنا، ابتلعت أعزّ عزيز على نفسي وجرفته إلى عالم آخر. واحتجت
سنين لكي أتعافى من تلك التجربة، سنين ثمينة لا يمكن تعويضها".
كان يبدو
أن الرجل السابع في أواسط الخمسينيات، رفيعا، طويلا، ذا شارب، وله بجانب عينه اليمنى
ندبة، قصيرة لكنها غائرة، لعلها ناجمة عن طعنة من نصل قصير، وفي شعره القصير رقع بيضاء
خشنة صلبة. وكان على وجهه تلك السيماء التي تراها في وجوه من لا يجدون الكلمات التي
يحتاجون إليها. غير أن تلك السيماء ـ في حالته ـ بدت كأنها موجودة منذ وقت طويل، وكأنها
باتت جزءا منه. كان الرجل يرتدي قميصا أزرق تحت معطف من التويد الرمادي، وبين الحين
والآخر يرفع يده إلى ياقته. ولم يكن أيٌّ من المجتمعين هناك يعرف له اسما أو مهنة.